شرح کتب کلام اسلامی

شبهات و ردود

فان قیل: قد وجدتم کثیرا من المفارقات و لا تعللونه، فهلا الحقتم هذه المساله بها؟

قلنا: الاصل فی المفارقات ان تعرض علی وجوه التعلیل، فان قبلت التعلیل تعلل، وان لم تقبل لم تعلل. و هذه المفارقه قد عرضناها  علی التعلیل و قبلت، فعللناها، علی ان ههنا طریقه ملجئه الی التعلیل، لان هذین الحیین اذا صح من احدهما الفعل و تعذر علی الاخر مع استوائهما فی باقی الصفات، فلابد من ان یکون هناک امر له و لمکانه صح من احدهما الفعل و تعذر علی صاحبه، والا لم یکن هو بصحه الفعل اولی منه بالتعذر، ولا صاحبه بالتعذر اولی منه بالصحه، و لیس ذلک الامر الا صفه راجعه الی الجمله و کونه قادرا.

فان قیل: قد وجدتم کثیرا من المفارقات التی لا تعلل بامر راجع الی الجمله نحو مفارقه المتحرک للساکن، و الابیض للاسود، فهلا الحقتم هذه المساله بذلک، فکیف عللتموها بأمر راجع إلی الجملة؟

قلنا: إن صحة الفعل حکم صدر عن الجملة، فکان یتنبغی فی المؤثر فیه أن یکون راجعاً الی الجملة. و لیس کذلک کونه متحرکاً، لأنه حکم راجع إلی الأجزاء و الأبعاض،‌ فکان المؤثر فیه راجعاً إلی الأجزاء و الأبعاض.

یبین ذلک، أن هذا الحکم لو لم یصدر عن الجملة و کان راجعاً إلی کل جزء، لوجب فی الجملة أن تکون بمنزلة أحیاء قادرین ضم بعضهم إلی بعض، فکان یجب أن لا یحصل منها الفعل بداع واحد، بل کان یجب إذا دعا أحدهم الداعی إلی إیجاد الفعل، أو صرف الآخر عنه الصارف، وأن یوجد وأن لا یوجد دفعة واحدة، وذلک محال. ولوجب فی کل جزء أن یأتی الفعل إذا ابتدأ، حتی یصح الفعل بشحمة الأذن ابتداء، والمعلوم خلافة. ولیس لقائل أن یقول أنما لم یصح ذلک لفقد المفصل، لما نبینه من بعد أن شاء الله تعالی.

فإن قیل: ما أنکرتم أن هذه المفارقة معللة بالطبع؟ قلنا: أول ما فی هذا، أن الطبع غیر معقول لما بینا.

وبعد، فإنه لا یخلو؛ إما أن یرید به أمراً راجعاً إلی الجملة، أمراً راجعاً ولا ثالث. فإن البعض أراد به الأول فهو الذی نقوله، وإن أراد به الثانی فقد أبطلناه، وبهذه الطریقة أبطلنا قول الکلابیة، إن الفعل إنما یصح ویحصل بالقدرة لا بالقادر.